l'houssaine haddad
المساهمات : 78 تاريخ التسجيل : 23/10/2007 العمر : 34 الموقع : www.todgha.com
| موضوع: شـكـوى الـطـيـور الـْمَحبوسـة في الأقـفـاص الْمَنحـوسـة 1 الإثنين أكتوبر 29, 2007 2:30 pm | |
| وكَعَادَةِ بعضِ أهلِ وَقْتِنَا إذا أرادوُا فِعْلَ شَيْء مِمَّا أُحْدِثَ ولَمْ يَكُن له مثيلٌ سابق فإنهم يَسْتفتون ، وليس الشأنُ أنْ يَسْتفْتُوا فيُفْتوُا لِأَنَّ هذا كثُر جِداً وكثر أهله لإضْفاءِ الشَّرعية على كلِّ شيءٍ ، وإنما الشأن هل هذه الفتوى حقٌّ أمْ لاَ ؟! . فالذين يُفْتون ويُسَوِّغون حبسَ الطيور ونحوها يَسْتدلون بأدلةٍ يغصبونها لِمُجَارَاتِ مَا أُحْدِثَ في وقتنا مثل استدلالهم بِحَدِيثِ المرأةِ التي حَبَسَتْ هِرَّة ([1]) ، وأنَّ العِلَّة أنَّ المرأةَ لَمْ تُطْعِم الْهِرَّةَ ولم تَسْقِها ، وهو واللهِ مُخِيفٌ وكافٍ في الرَّدع والزجر عن ظُلْمِ هذه الْمَخلُوقَات .والذي في هذا الحديث الشريفِ خَبَرٌ من النبي r بِحَادثةٍ حَاصِلَةٍ ، وفي ضِمْنهِ التحذير أنْ يفعل أحدٌ مثل هَذا الفِعْل . وإنه لتحذيرٌ هَائلٌ عظيمٌ ! ، فهذه المرأة - التي حبَسَت الْهِرَّة - مُسْلمة ، وإنَّمَا صَارَ سببُ دخُولِهَا النار هَذا الأمْرُ ([2]) ! ، ومَنْ ذا يُطيق عذابَ النَّار ؟! . والعجَبُ أنْ يُسْتَدل بذلك على تسويغِ وتهوينِ حبس الطيور في الأقفاصِ الذي كَثُر وانتَشَر ! . وأكثرُ مَا يَفعله الْمُتْرَفُونَ الذين لَمْ يَذكرهم الله U في كتابه الكريم إلاَّ بالذَّمِّ ويُحَذِّر الناسَ أنْ يَسْلكوا مسالِكَهُم . ولَيس في هذا الحديثِ مُسْتَمسكٌ لِهَؤلاء ، ولكنه خَبَرٌ خَرَجَ مَخْرَج التحذيرِ مِن التعرُّضِ لِلظُّلْمِ وَلِمَا يُوصِلُ إِلَى العذابِ الأليم . ومعناه أنَّ الْمَرْأةَ أساءَتْ إلى هِرَّةٍ وَظَلَمَتْهَا بِحَبْسِهَا ، وزادَتْ في شَرِّها وعدوانها أنها لَمْ تُطْعِمْهَا وتَسْقِهَا ، فاستدلالُهُم باعتبارِ أنها لَوْ أطعمتها وسَقَتْهَا فليس في ذلك شيءٌ ؛ وهذا غَلَطٌ ظاهر ، فالْمَنْهِيُّ عنه هو الظلم حتى لِهَذِهِ المخلوقات الْمُحْتَقَرَة ، وهذا خلاف الصائل فإنه يُقتل سواء القِطَط أو غيرها ولاَ يُعذَّب ، وعندَ أهلِ العِلْمِ قَاعِدَة شَرعية تُبَيِّنُ ذلك وهي : ( مَا آذَى طَبْعاً قُتِل شَرْعاً ) ، وليسَ هَذَا هُوَ مَوضُوعنا . فَقِصَّةُ الْحَدِيثِ لاَ تصلُحُ إطلاقاً كَدَلِيلٍ يُسوِّغ ظُلْمَ المخلوقاتِ الْحَيَّةِ ، بَلْ قِصَّته أعظم رَادِعٍ وزَاجِرٍ ومُحَذِّرٍ من الظُّلْمِ ؛ وَمِنْ ظُلم المخلوقَاتِ مَا يفعله البعضُ مِنْ حَبسِ الطيورِ في الأقْفَاصِ . وإذا كانت العِلَّة على رأيِ المسَوِّغين حبسَ الطيوُرِ أنَّ المرأةَ لَمْ تُطْعِم الْهِرَّة ولَمْ تَسْقِهَا ، فهل إذا حُبِسَ إنسانٌ ظُلْماً وأُطْعِمَ وَسُقِيَ يكون ذلك غَير ظُلْمٍ له ؟! ، بل هو ظُلْمٌ ؛ وإنَّمَا مَنْعُهُ الطعام والشَّرَاب زيادةً في الظلمِ والعُدْوَان . فإنْ قِيل : ( هذا صَحِيحٌ بالنسبةِ للإنسَانِ ، ولكنَّ هذه الطيوُر ونحوها ليسَتْ كَالإنسَان ) ، فيقال : حَبْسُهَا ظُلْمٌ لَهَا لأنها لَمْ تُخْلَقْ ليُضيَّق عَلَيهَا ، ولاَ رَيْبَ أنها تتألم بذلك الحبس ، وغايةُ ما هناكَ أننا لاَ نَفْقَهُ لُغَاتها ، وَلِاشْتِرَاكِ الناسِ في العِلمِ أنَّ حبسَ الطائرِ فِي القَفَصِ عَذابٌ له فَهُمْ يقولون : " المؤمنُ عندَ الذِّكْرِ والموعِظَةِ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ ، والفَاسِقِ كالطائِرِ فِي القَفَصِ " ! . وما يُدْرِي حَابِسها أنَّ أصواتَهَا التي يَتلذَّذُ بسماعها حنينٌ وَبَثُّ شكوى لِخَالِقِهَا ! ، ولقد وسَّع الله لَهَا الفَضَاء وأعطاهَا أجْنِحَةً تَطِيِرُ بِهَا فِيهِ كَمَا أعطَاكَ قَدَمَيْن تَسِيِرُ بِهِمَا عَلَى الأرْضِ وَأنتَ من أجلِ هَوَاك تضيِّقُ عَليهَا وَتَظَنُّ أنَّهَا تُغَنِّي لِكَيْ تُطْرِبك ! ؛ فالقياسُ إذَنْ على حديثِ المرأةِ والْهِرَّةِ فاسدٌ مِنْ الأصلِ ، ولكن كثيرون في وقتنا زادوا على ما قاله الإمام أحمد ~ : ( أكْثَرُ مَا يُخْطِيءُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأوِيلِ وَالقِيَاسِ ) ([3]) ، فَيُؤَوِّلوُن وَيَقِيسُون دونَ تَحقيقٍ ! ، فهُم يَلتمِسُون مِنْ الشريعةِ على مَا أحدثوا مَا لاَ يُطاوِعهم إلاَّ قَسْراً وَغَصْباً ! .وبالعكْسِ فالحديثُ زاجِرٌ ورادعٌ لِمَنْ يَعْقِل أنْ يقترب مِن مِثْلِ هَذا الفِعْل .فلَوْ قَالَ : ( أنَا أحْبِسُ الطُّيوُرَ وأُطْعِمُها وأسْقِيهَا ) فقَد تبينَ أنَّ العِلَّةَ ليسَتْ فَقَطْ في عَدَمِ ذلك ، وإنَّمَا هي في الظُّلْم أيضاً ، وإذا كانَ هذا الوعيد الْمُتَحَقِّق فِي شأنِ هِرَّةٍ فكيف بِمَن يَظلمُ الناس ؟! . وَيُقَال أيضاً لهذا : أنتَ تَنشَغِل وَتنسى وَيَعْرِضُ لك مَا يَعرض مِمَّا يَشغلك عن تعاهدها ، ولاَ مَصلحة بِجَانِبِ هذه الْمَفْسَـدَةِ وقد حصل مِنْ مَوْتِ الطيورِ ونَحوها لِهَذِهِ الأسبابِ الكثيرُ ، ومَن شاء فليسأل أربابَهَا ! . فالمفسدةُ كبيرةٌ بِالْحَبْسِ وَحْدَه مُقَابِل لاَ مَصْلَحَة لأنه إذا كان التسلِّي بِإِيلاَمِ هَذِهِ الْمَخلوقاتِ مَصلحةٌ فهذه لاَشَكَّ أمْزِجَةٌ مُنحَرِفَةٌ ؛ والْمُؤْمِنُ مُطَالَبٌ بِالرَّحمةِ والإحْسَانِ وَمَنْهِيٌّ عنْ التَّجَبُّرِ وَالظُّلْمِ ، وَعَلَى العَاقِلِ أنْ يُفَكِّر فِي شَأنِ حَابِسَةِ الْهِرَّةِ وَسَاقِية الكَلْبِ ([4]) ؛ فَالبَغْيُّ غُفِرَ لَهَا بِسَقْي كَلْبٍ ، وَصَاحِبَةُ الْهِرَّةِ دَخَلَت النَّارَ بِحَبْسِهَا وَظُلْمِهَا ! .وبَعضُ الناسِ قد يكونُ غَافلاً عَنْ ذلك فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ . * * * * * * * * * ويستدلُّ بعضُ مَن يُهَوِّنُ حَبسَ هذه الطيورِ بِمَا وَرَدَ فِي شَأنِ الزِّينَةِ مِثْلَ قوله تعالى : ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ( الآية ([5]) . والآيةُ مُنَاسَبة نُزُولِهَا كما روى ابن عباس { حيث قال : ( كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً فَتَقُولُ : مَنْ تُعِيرُنِي تِطْوَافًا ؟! ، فَتَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ : الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَـدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّـهُ فَنَزَلَتْ : ) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ( ([6]) ) ([7]) ؛ وفي رواية أخرى : ( فَنَزَلَتْ : ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ( الآية ) ([8]) .وقد رأيتُ مِنْ تَحْمِيلِ الْمُتأخِّرين لِهَذِهِ الآيةِ عَجَبًا حيثُ يَستَدِلُّونَ بِهَا على مَا فُتح عليهم من التشَبُّهِ بالكُفَّارِ وغيره ولاَ يُريدُونَ أنْ يَعترض طريقَهُم أحَدٌ ! ، وانظُرْ كيفَ يُستَدَلُّون الآنَ بالآيةِ على عَذابِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ ! . كذلك يستدلُّونَ في شَأنِ الزِّينَةِ بقول الله تعالى : ) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ( الآية ([9]) ، وهذا تَحْمِيلٌ لِهَذه الآيةِ مَا لاَ تَحْتَمِل ! ، والزينة إذا كان فيها ضررٌ لِمَخْلوُقٍ فهي ظُلْم ، وقد تَبَيَّنَ الضَّرَرُ بِحَبسِ الطيورِ في الأقْفَاصِ ، وأمَّا هذه الزينةُ التي ذَكَرَ الله U فَلَيْسَت على حِسَابِ التضييقِ على هَذِهِ الْمَخلوقات ، وزينةُ الطيورِ بألوَانِهَا وأصْوَاتِهَا ليسَتْ لِتُعَذَّب بِهَا بِالْحَبسِ ! . كذلك كونُ الإنسانِ يُحِبُّ أن يكون ثوبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَناً ، فهذه لاَ مَفْسَدَة فيها ، ولذلك يقول النبي r : ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) ([10]) ، فالْجَمَالُ الذي يُحِبُّه الله مَا ليس فيه إِسْرَافٌ ولاَ مَخْيَلَةٌ وَلاَ ضَرَر فيهِ عَلى مَخْلوُقٍ . ([1]) حيث أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 3295 ) ، ومسلم في « صحيحـه » برقم ( 2242 ) عن عبد الله بن عمر { أن النبي r قال : ( عُذِّبت امرأة في هرة سَجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) ؛ وفي رواية أخرى عند مسلم برقم ( 2619 ) عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : ( دَخَلَت امرأة النارَ في هِرَّة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً ) . ([2]) وليس هذا دخول خلود ، ولكنه هائل ولو كان لَمحَة بَصَر ! . ([3]) أنظر : « مجموع الفتاوى » ، ( 19 / 75 ) و ( 7 / 118 ) .([4]) تقدم ذكر حديث حابسة الهرة ، وأما البغي التي غفر لها بسقيها كلب فقد أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 3280 ) ومسلم برقم ( 2245 ) عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : ( بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بَغِي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته إياه ، فَغُفِر لَهَا به ) .وقد أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 2234 ) ومسلم برقم ( 2244 ) عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : ( بينما رَجُل يَمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : " لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني " ، فَنَزَل البئرَ فملأ خُفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشَكَرَ الله له فَغَفَر له ) ، قالوا : يا رسول الله .. وإنَّ لنا في هذه البهائم لأجراً ؟! ؛ فقال r : ( في كل كَبِدٍ رَطْبة أجْر ) .([5]) سورة الأعراف ، من الآية : 32 . ([6]) سورة الأعراف ، من الآية : 31 .([7]) أخرجه مسلم في « صحيحه » برقم ( 3028 ) .([8]) أخرجه الحاكم في « مستدركه » برقم ( 3246 ) ، وقال : ( حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي .([9]) سورة النحل ، من الآية : 8 .([10]) أخرجه مسلم في « صحيحه » برقم ( 91 ) من حديث عبد الله بن مسعود t . | |
|